دار المعـرفة للطباعة والنشر   ترحب بكم     ***   ** جديد **  بعون الله تعالى صدرت (موسوعة الكلمة وأخواتها في القرآن الكريم )12/1 للشيخ الدكتور أحمد الكبيسي     ***   بعون الله تعالى صدرت (مــوســوعـة المعجم المفــهـرس لألفاظ الحديث النبوي الشريف) ضمن 21 مجلد  - لأول مرة في العالم الإسلامي بمنهج علمي موحد     ***   50 عاماً في نشر المعـرفة * * * 50  عاماً في نشر المعـرفة     ***   صدر- جديد- جديد - كتاب للدكتور دلاور صابر { بالإيمان والغذاء نؤخر شيخوخة العقل والجسد}  مزين بالصور     ***   شعارنا:    اتقان في الاختيار       جودة في الاصدار     ***   ا لقـراءة متـعة و غــذاء للـروح     ***   اطلعوا على اصداراتنا من كتب الأطفال { المعرفة للصغار }  سلاسل هادفة وتعليمية     ***   دار المعــرفة للطباعة والنشـر    :    اتـقـان في الاخـتـيـار       جــودة في الاصـدار      ***   جديد   سلسلة " السيرة النبوية الشريفة " 12/1 للأطفال مزينة بالرسوم.     ***  

مقالات
يوم الأحد, 29 كانون الأول 2024 

المؤلف :  د. زغلول النجار
الموضوع :  اعجاز علمي
العنوان :  ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم
التاريخ :  
22-10-2013
{وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين} .

هذه الآية القرآنية الكريمة من سورة الأنفال‏،‏ وهي مدنية تضمنت هذه السورة المباركة عدداً كبيراً من التوجيهات الإلهية الشارحة لعوامل النصر والهزيمة والموجبة لهما. ‏

ومن هذه العوامل الآية الكريمة التي اخترناها والتى يقول فيها ربنا- تبارك وتعالى-:{وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين}( الأنفال:46).

حيث تتضح ومضة الإعجاز التشريعي في الآية التي أرجو أن تتطلع وتتعظ منها قيادات القوى المتصارعة على السلطة في أوطاننا الإسلامية والعربية.

تفسير الأية الكريمة:

أي: يا أيها المؤمنون أطيعوا ربكم ورسوله فيما أمركم به، واجتنبوا نواهيهما، ولا تخالفوهما في أي أمر من أموركم. ولا تتنازعوا فيما بينكم، ولا تتفرقوا في إجماعكم على كلمة الحق، ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم، ويتفرق أمركم. لأن من نتائج الاختلاف وفرقة الكلمة أن تضعفوا وتفشلوا، وتذهب قوتكم ويضيع بأسكم، ويدخلكم الوهن والخلل. فالتنازع والاختلاف مدعاة إلى  ضياع القوة وشتات الأمر، والهزيمة على أيدي الأعداء والانكسار لهم.

الإعجاز الإنبائي والتاريخي في القرآن الكريم
 
والتعبير القرآني: {... وتذهب ريحكم...} كناية عن تبدد القوة، وذهاب الدولة. وأطلق تعبير الريح على الدولة لشبه الريح في عصفها وعنفوانها بالدولة في بسط سلطانها، وقدرتها على إنقاذ ما تأمر به من أوامر.
 وفي اللغة العربية يقال هبت رياح فلان إذا دالت له الدولة، وجرى أمره على ما يريد. وعلى النقيض من ذلك يقال ذهبت رياح فلان إذا ولت عنه الدولة، وزال عنه سلطانه، وأدبر أمره ولم ينفذ. فلم يكن نصر قط إلا بريح يبعثها الله تضرب وجوه الأعداء حتى لا يبقى لهم قوام.

 وفي قوله تعالى: {... واصبروا إن الله مع الصابرين} أي: واصبروا على بعضكم بعضاً عند اختلاف وجهات النظر وعلى ما تلاقونه من الشدائد، فإن الله تعالى مع الصابرين، يؤيدهم بعونه، وتأييده وتثبيته، ونصره، وحسن جزائه في الدنيا والآخرة.

ويؤكد ذلك أن المؤمنين في صراعهم مع أهل الباطل يجب أن يقوم من أجل أن تكون كلمة الله هى العليا، لا من أجل الانتصار الشخصي، ولا للسيطرة والهيمنة على السلطة، ولا للمكاسب المادية المجردة، ولا للاستعلاء العرقي أو المذهبي أو القومي ولكن لإقرار الحق وإزهاق الباطل. والسلاح الذي يحتمي به المؤمن في هذه المعركة هو الالتزام بطاعة الله ورسوله، والمحافظة على وحدة الصف، وجمع الكلمة، واحترام الاختلاف في الرأي الذي يجب ألا يفسد للود قضية، وجعله اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد وتصارع، ولا سبباً في النزاع المفضي إلى  الفشل والضعف والهزيمة.

فالناس لا يتنازعون إلا إذا فقدوا الحِكمة، والإخلاص والتجرد لله والتوجه الصحيح ولكن إذا كان الهوى المُطاع هو الذي يوجه الأفكار والآراء. فإن كل صاحب رأي يُصر على رأيه مهما تبين له أن الحق في غير ذلك، فتصبح ذاته في كفة والحق في كفة أخرى، ويقضي بترجيح كفة ذاته على كفة الحق في كل الأحوال.

ومن هنا كان المخرج في تحكيم طاعة الله ورسوله عند كل اختلاف في وجهات النظر. وهذا الأمر يقتضي الكثير من الصبر والحكمة، لأن الصبر يحقق معية الله سبحانه وتعالى التي تستوجب النصر والفوز، والنجاح والفلاح، وكأن الله تعالى يقول لعباده المؤمنين: إصبروا فإني معكم.

ورسولنا - صلى الله عليه وسلم- يحذرنا من الاختلاف فيقول: {لا تختلفوا فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا} (البخاري: الحديث رقم: 3476).

ويقول: {إذا التقي المسلمان بسيفيهما فقتل إحدهما صاحبه فالقاتل والمقتول في النار}، قيل يا رسول الله:  هذا القاتل فما بال المقتول ؟ قال: {إنه كان حريصاً على قتل صاحبه} ( متفق عليه).

وقال: {إن الله- تعالى- يرضى لكم ثلاثاً ويكره لكم ثلاثاً: يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا; ويكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال} (مسلم الحديث رقم: 1715/4456).

وقال: {إياكم والظن. فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخواناً}( متفق عليه).

من ذلك يتضح أن تنازع المسلمين كفر وسبب من أسباب الفشل وزوال التمكين في الأرض ولذلك حرمه الله تعالى.