لا تحمل هماً ....!
ليس لأن الهم يمضي بك قدما نحو الشيخوخة فوق ما تتصور، خاصة وبعدما تبين من بعض الدراسات التي اجرها فريق طبي في جامعة شيكاغو الامريكية ان الاجواء النفسية المكدرة والاجتماعية غيرالملائمة والصحية المزرية من شأنها ان تجعل الانسان يتقدم عن عمره الحقيقي بما يقارب الثماني سنوات ! لا تتعجب اولم يقل الخليفة الراشدالامام علي " الهم نصف الهرم" .
لا تحمل هماً ...!
ليس لان الهم اصبح سبب كل علة مرضية خاصة وان المعالجين النفسانيين باتوا يتحدثون اكثر من أي وقت مضى عن امراض تصيب بعض اجهزة الجسم او وظائفه نتيجة لضغط نفسي كما هو الحال مع ارتفاع ضغط الدم، الربو، قرحة المعدة، البدانة،الذبحة الصدرية وغيرها من الاضطرابات التي اصطلح على تعريفها بالامراض السيكوسوباتية، تظهر على الجسم كرد فعل استجابي ازاء اي توتر نفسي عنيف، فالخوف والقلق والغضب والكبت والانفعال الزائد، تعتبر مثلا احدى مسببات هذه الامراض، تعمل في اعصابنا واجهزتنا الداخلية عمل المناشير والمقصات في المواد الصلبة، واذا لم نتمكن من تصريف انفعالاتنا بصورة ملائمة تولت اجسامنا التعبير عنها بما لدينا من لحم ودم وغدد، وعندها يتـأسس لدينا المرض .
لا تحمل هماً ..!
ليس لأن الهم ومظاهره بات رفيق حياتنا في كل لحظة في كل موقف: حيث الترقب والانتظار، وضغوط العمل، وخيبات الامل، و انهيار القيم بين الناس ، على نحو ما يحددها النبي محمد (ص) في دعائه المأثور : " اللهم اني اعوذ بك من الهم والغم، والجبن والكسل، وغلبة الدين، وقهر الرجال"، أوليس الجبن والقهر والدين من أبرز الهموم؟ بل أنصحك لان الهم باتت محاذيره خطيرة منها :
فهو- ومن حيث لا ندري - قد يؤدي الى ايقاف الحياة، عندما يطل بحالة انزعاج وخوف ثم يتطور الى حالات اصعب مع الاكئتاب الذي بدوره يترك عوارض نفسية حسبما ذكرت نشرة صادرة عن منظمة الصحة العالمية بان كثير من الاطباء اليوم يربطون بين تداعيات الضغط اليومي وتطور الامراض الخبيثة، حيث اشار بعضهم الى ان الصدمات المتتالية المؤثرة على الحياة الشعورية عند الانسان يمكن ان تسبب حالات مرضية مستعصية ( cancer) وذلك على ضوء التجارب المعملية التي اقيمت حول ظاهرة الهموم اليومية وما يمكن ان يحدث من جرائها، ليتبين ان اغلب الامراض الخبيثة يمكن ان يحدث نتيجة ما يسمى ب" اعراض عدم التكيف" وهي عوارض نفسية تظهر على المرء عند عدم انسجامه او ارتياحه في اجواء اجتماعية معينة، ومع استمرار توتر هذه الاجواء عليه وعدم تكيفه معها يمكن ان يؤدي الى اختلالات نفسية وجسمية اواعراض مرضية خبيثة
لاجل ذلك بات لزاما علينا ان نوقفه قبل ان يتمكن منا بعدما اخذت مظاهر الهم مأخذها، تحرق اعصابنا، تفتك اجسامنا، تعوقنا عن اداء ما نرغب به ونتمناه، تحكمت بنا فجعلتنا نتقاعس عن اداء ادورانا، افسدت متعة اوقاتنا فبتنا نتذمر/ نتأفف ونعيش على هامش الحياة ومجرد الشعو ر بان لا معنى لحياتك ولا هدف لكل ما تقوم به لا يجعلك تنزعج وتتذمر فقط وانما قد يدمر ويفتك، فقد لآحظ احد المشرفين على الابحاث الطبية في امريكا ارتفاع نسبة وفيات الناس في الغرب صباح نهار كل اثنين اكثر من اي وقت اخر من ايام الاسبوع، والسبب في ذلك يعود الى ان نهار الاثنين في الغرب هو بداية اسبوع العمل وبما ان بعض الناس تكره كثيرا العودة الى العمل بسبب ضغوطه والاعباء التي يولدها، كان يرتد ذلك سلبا عليهم في صورة اعراض مرضية تعرف ب" اعراض بداية الاسبوع"، من هنا اخذت بعض الشركات اليابانية تعالج هذا الواقع باستقدام محللين نفسانيين او مرشدين اجتماعيين للاهتمام بالموظفين " المهمومين" وذلك بعدما رأت نتائج " الهم" على تدني مستوى الاداء والانتاج وتراجع الأرباح .
هل أصبح العمل – اذن- مصدر اعياء أو إزعاج لعدد من الناس؟ وهل أصبحت مواعيده والمواظبة عليه سببا لهمومهم أو اضطرابهم؟ ليس ذلك بالمطلق طبعا اذ ثمة اناس لا تصيبهم أعراض العمل المرضية رغم الضغوط المتزايدة عليهم بل يعبرون عن سعادتهم به لانهم يرغبون بما يقومون به، ويتغلبون على ما يتركه من ضغوط بتنظيم وقته وجهدهم ، واعطاء الجسد حقه من الراحة بين الحين والاخر، وقبل كل ذلك لانهم يعتبرون عملهم " ذو معنى وهدف" مما يجعلهم اقل هما وبعدا عن المرض. لهذا تفترض بان: العمل الضاغط ليس نفسه ضاغطا على كل الناس، اذ منهم من يسيطر على عمله ويضبط ضغوطه ومنهم من يحدث له العكس اذ يقع ضحية عمله ويتمكن منه حتى لا يدع مجالا للراحة.من هنا ينبغي الحرص على نوع من التوازن بين متطلبات العمل وقدرات المرء ومدى تكيفه مع العمل .
وفي هذا الصدد يمكن القيام ببعض الخطوات العملية لكي نحد من الهموم التي تجعل حياتنا لا معنى لها:
اولا: سر بخطواتك واثقة ومؤمنة وراغبة نحو اولياتك، وقدر ما تقوم به وقرر له كم يلزم من الوقت لتنفيذه : خمس سنوات / عشر سنوات .. المهم ان تحدد اهدافا وتتجه نحوها بحماس، فبعض التحرك" البسيط" اليوم قد يغير مصيرا بعد وقت من الزمن وتذكر بان " واثق الخطوة يمشي ملكا"
ثانيا: ضع الحب فيما تقوم به، يقول المثل الفرنسي : يعجبني الرجل الذي يعمل وهو يغني"، فالغناء دليل الرغبة في العمل، فان كنت تعمل في شئ لا ترغبه او مكرها عليه سيبدو ذلك صعبا عليك ، وقد تبين بالملاحظة العملية ان الذين يحبون عملهم يكونوا اكثر انتباها/ اكثر ابداعا/اكثر حماسا لما يتعلق بعلمهم.
ثالثا: ضع المرح في كل علاقاتك وتواصلك وتفاعلك مع زملائك/ افراد اسرتك/ ومن تلتقيهم ، فمن شأن المرح ان يقطع الطريق على كل هم قد يتسرب اليك ويضع حدا لكل عبء او ضغط. كيف السبيل الى ذلك؟ كل منا وله طريقته ليجعل من حياته ذات طعم حلو. ابحث عن ذلك في اي فكرة / أي موقف/ اية علاقة. المهم أن تعيش المرح لأنه يخفف من مرارة الحياة ومشقاتها ويحول العوائق الصعبة الى بديهيات.
|