مواضيع أخرى
مقالات
![]() 28-09-2006
كان شغفي بسيرة أبي بكر الصديق رضي الله عنه منذ الطفولة ، وكنت شديد الولع بالقراءة والسماع لسيرته العطرة، ومضت الأيام ومرت السنون ، وأكرمني الله تعالى بالدارسة في الجامعة الإسلامية
![]() وبعده كتاب " أبو بكر الصديق شخصيته وعصره " ويرجع الفضل في كتابته للمولى عز وجل ثم للأستاذ المشرف على رسالة الدكتواره ، ومجموعة خيرة من الدعاة والشيوخ والعلماء ، الذين شجعوني على الاهتمام بدارسة عصر الخلفاء الراشدين ، حتى إن أحدهم قال لي : أصبحت هناك فجوة كبيرة بين أبناء المسلمين وذلك العصر، وحدث خلط في ترتيب الأولويات، حيث صار الشباب يلمّون بسير الدعاة والعلماء والمصلحين أكثر من إلمامهم بسيرة الخلفاء الراشدين، وإن ذلك العصر غني بالجوانب السياسية والإعلامية والأخلاقية والاقتصادية والفكرية والجهادية والفقهية ، التي نحن في أشد الحاجة إليها، ونحتاج أن نتتبع مؤسسات الدولة الإسلامية، وكيف تطورت مع مسيرة الزمن ، كالمؤسسة القضائية، والمالية، ونظام الخلافة، والمؤسسة العسكرية، وتعيين الولاة وما حدث من اجتهادات في ذلك العصر، عندما احتكت الأمة الإسلامية بالحضارة الفارسية والرومانية، وطبيعة حركة الفتوحات الإسلامية . إن كتابة هذا الكتب فكرة أراد الله لها أن تصبح حقيقة، فأخذ الله بيدي وسهل لي الأمور، وذلل الصعاب، وأعانني على الوصول للمراجع والمصادر، وأصبح هذا العمل همّاً سيطر على مشاعري وتفكيري وأحاسيسي، فجعلته من أهدافي الكبرى، فسهرت له الليالي، ولم أُبَالِ بالعوائق ولا الصعاب، والفضل لله تعالى الذي أعانني على ذلك . إن تاريخ عصر الخلفاء الراشدين مليء بالدروس والعبر، وهي متناثرة في بطون الكتب والمصادر والمراجع، سواء كانت تاريخية أو حديثية أو فقهية أو أدبية أو تفسيرية، ونحن في أشد الحاجة لجمعها وترتيبها وتوثيقها وتحليلها، فتاريخ الخلافة إذا أحسن عرضه يغذي الأرواح ويهذب النفوس، وينور العقول، ويشحذ الهمم، ويقدم الدروس، ويسهل العبر، وينضج الأفكار، فنستفيد من ذلك في إعداد الجيل المسلم وتربيته على منهاج النبوة. والحقيقة أن بعص المعاصرين من المؤرخين والكتّاب والأدباء وقع في تشويه صورة سلف هذه الأمة، وأظهروا الصحابة بمظهر التكالب على الدنيا وسفك الدماء للوصول إلى الغايات التي ينشدونها من الاستيلاء على الحكم والتنكيل بخصومهم، فتناولوا ذلك بعيداً عن فهم حقيقة الجيل الذي تربى في مدرسة المصطفى صلى الله عليه وسلم وبعيداً عن تاثرهم بالإسلام وعقيدته وأصوله، وبسبب تلك الكتابات نشأ جيل لا يعرف عن تاريخه إلا الحروب وسفك الدماء والخداع والمكر والحيلة، وأصبحت صورة الصحابة رضوان الله عليهم جميعاً مشوهة، مما جعل بعض المسلمين يردد تلك الأباطيل دون أن يعي الحقيقة، بل مجرد أن تلك الأباطيل مسطرة في كتاب زيد أو عمرو من الكـتّاب . إن إعادة كتابة التاريخ الإسلامي بمنهج أهل السنة والجماعة أصبح ضرورة ملحة لأبناء الأمة ، وقد بدأت أقلام الباحثين والكتّاب تصيغ التاريخ من هذا المنظور، وهم لم يبدؤوا من فراغ، لأن الله حمى دينه وحمى أمته فقيض لتاريخ الصحابة من يحقق وقائعه ويصحح أخباره ويكشف الستار عن الوضَّاعين والكذابين من ملفقي الأخبار، ويرجع الفضل في ذلك التصحيح إلى الله ثم أهل السنّة والجماعة من أئمة الفقهاء والمحدثين، الذين حفلت مصادرهم بالكثير من الإشارات والروايات الصحيحة التي تنقض وترد كل ما وضعه الملفقون. وقد سرت على أصول منهج أهل السنّة ، فعكفت على المصادر والمراجع القديمة والحديثة، ولم أعتمد في دراسة عصر الخلفاء الراشدين على الطبري وابن الأثير والذهبي وكُتب التاريخ المشهورة فقط ، بل رجعت إلى كتب التفسير والحديث وشروحها، وكتب التراجم والجرح والتعديل ، وكتب الفقه، فوجدت فيها مادة تاريخية غزيرة. |