دار المعـرفة للطباعة والنشر   ترحب بكم     ***   ** جديد **  بعون الله تعالى صدرت (موسوعة الكلمة وأخواتها في القرآن الكريم )12/1 للشيخ الدكتور أحمد الكبيسي     ***   بعون الله تعالى صدرت (مــوســوعـة المعجم المفــهـرس لألفاظ الحديث النبوي الشريف) ضمن 21 مجلد  - لأول مرة في العالم الإسلامي بمنهج علمي موحد     ***   50 عاماً في نشر المعـرفة * * * 50  عاماً في نشر المعـرفة     ***   صدر- جديد- جديد - كتاب للدكتور دلاور صابر { بالإيمان والغذاء نؤخر شيخوخة العقل والجسد}  مزين بالصور     ***   شعارنا:    اتقان في الاختيار       جودة في الاصدار     ***   ا لقـراءة متـعة و غــذاء للـروح     ***   اطلعوا على اصداراتنا من كتب الأطفال { المعرفة للصغار }  سلاسل هادفة وتعليمية     ***   دار المعــرفة للطباعة والنشـر    :    اتـقـان في الاخـتـيـار       جــودة في الاصـدار      ***   جديد   سلسلة " السيرة النبوية الشريفة " 12/1 للأطفال مزينة بالرسوم.     ***  

مقالات
يوم السبت, 23 تشرين ثاني 2024 

المؤلف :  د. زغلول النجار
الموضوع :  اعجاز علمي
العنوان :  القلب في القرآن الكريم
التاريخ :  
11-11-2008

جاءت الإشارة إلى القلب في القرآن الكريم بالإفراد والجمع، ومع عدد من الضمائر المختلفة (132) مرة ، وجميع الناس إلى  اليوم يعتقدون بأن القلب هو مجرد مضخة تضخ الدم الفاسد إلى الرئتين لتنقيته، وتتلقى الدم المؤكسد منهما لتضخه إلى مختلف أجزاء الجسم وأولها المخ –الذي لو تأخر ضخ الدم إليه لثوان معدودة لهلك صاحبه-.

 وفى ظل سيادة هذا الاعتقاد نجد أن القرآن الكريم قد تنزل من قبل ألف وأربعمائة سنة بالتأكيد على أن للقلب وظائف أخرى منها أنه هو الذي يكسب الأعمال خيرها وشرها، وهو مكان الاطمئنان والأمن أو الانزعاج والخوف والرعب، وهو محل الشهادة أو إنكارها، ومحل الخير أو الإثم، ومحل الهداية أو الزيغ، وهو محل الفهم والفقه، أو سوء الفهم واللبس، وهو محل الرقة واللين أو القسوة والغلظة، وهو محل اليقين أو الريبة، والإيمان أو الكفر، واليقظة أو الغفلة، وهو محل التعقل ووزن الأمور أو تضييعها، ومحل البصيرة أو العمى، ومحل السلامة أو الحقد، ومحل القصد والعمد أو العشوائية والارتجال، وهو سبب الانفتاح على أيٍ من الخير أو الشر أو الانغلاق على أي منهما، وهو محل الخشية والإنابة أو التبجح في المعصية والغي، ومحل التذكر والفطنة أو النسيان والغفلة، ومحل المحبة والرحمة والرأفة، أو الكراهية والغل والقسوة، ومحل الهداية أو الضلال، ومحل غير ذلك من الصفات التي تشكل شخصية الإنسان؛ لأن أعمال العبد إما أن تطهر قلبه وتزكيه أو تتجمع عليه كالران الأسود فتطمسه وتجخيه.

 

ومن الآيات القرآنية الكريمة ما يشرح ذلك ويؤكده ومنها قول ربنا ـ تبارك وتعالى ـ:
1-﴿ لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ ﴾ (البقرة:225).
2- ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي المَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى
وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ... ﴾ (البقرة:260).
3- ﴿ ... وَلاَ
تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾  (البقرة: 283).
4- ﴿ رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا
وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ ﴾ (آل عمران: 8). 
5- ﴿ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً
وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ﴾ (آل عمران: 151).
6- ﴿ ... وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ
وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور﴾ (آل عمران: 154).
7-﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الجِنِّ
وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الغَافِلُونَ ﴾  (الأعراف: 179)
8- ﴿ إِنَّمَا يَسْتَئْذِنُكَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ
وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ﴾ (التوبة:45).
9-﴿ الَّذِينَ آمَنُوا
وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ ﴾ (الرعد:28).
10- ﴿ مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ
وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾   (النحل: 106).
11- ﴿ ...
وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً﴾    (الكهف: 28).
12-﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ
وَلَكِن تَعْمَى القُلُوبُ الَتِي فِي الصُّدُورِ ﴾ (الحج:46).
13-﴿ يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ
وَلاَ بَنُونَ * إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ (الشعراء:88،89).
14-﴿ وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ العَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ المُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ﴾   (الشعراء :192-195).
15- ﴿ ... وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ
وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً﴾ (الأحزاب:5).
16-﴿ أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾   (محمد:24).
17- ﴿ ... وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ
وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ﴾ (الحجرات:7).
18-﴿ هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَّنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ
وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ﴾ (ق: 32،33).
19- ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ
وَهُوَ شَهِيدٌ﴾ (ق:37)
20-﴿ ... وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً
وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ ...﴾ (الحديد:27).
21- ﴿ ... وَلاَ
تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ (الحشر: 10).
22- ﴿ ... ِ
وَمَن يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ (التغابن: 11).
23- ﴿ كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ (المطففين: 14).

 

كذلك  جاءت لفظة (صدر) في القرآن الكريم بالإفراد والجمع، وبالإسناد إلى عدد من الضمائر بمعنى القلب (44) مرة. وهذه الإشارات كلها تؤكد أن للقلب وظائف عديدة غير مجرد ضخ الدم الفاسد إلى الرئتين ثم استقباله منهما مؤكسَدًا لضخة إلى مختلف أجزاء الجسم وأولها المخ، وهو ما يشير إليه مجموع الآيات القرآنية الكريمة التى استشهدنا بها آنفا.
وتدل الآيات القرآنية الكريمة على أن القلب هو مناط كل من العقل والبصيرة ولذلك قال ـ تعالى ـ:﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى القُلُوبُ الَتِي فِي الصُّدُورِ ﴾ (الحج: 46).

 

وقد أثبتت دراسات القلب مؤخرا أنه عضو حيوي بشكل هائل وفعال في جسم الإنسان، وأنه يعمل على تواصل دائم مع مخه عبر (40.000) خلية عصبية تم اكتشافها فيه وفى الغشاء المحيط به والمعروف باسم (Pericardium) أو "الصفاق". كذلك ثبت أن القلب يفرز كمًّا من الهرمونات إلى تيار الدم الذي يضخه إلى مختلف أجزاء الجسم وأولها المخ. كما ثبت أن المخطط الكهربائي للقلب هو أكبر بمائة ضعف من المخطط الكهربائي للمخ. وفى كل نبضة ينبضها القلب يولّد طاقة مغناطيسية تفوق الطاقة المغناطيسية للمخ بخمسة آلاف ضعف، وبها يتواصل مع المخ ومع باقي أجزاء الجسم. فالقلب يتحدث مع المخ، وينسق معه جميع أنشطته. فكما ينشط المخ بمراكز ذاكرته وحسه بواسطة التغذية الراجعة عبر كلٍ من الشبكات العصبية والدموية، فكذلك القلب الذي يعمل كجهاز تخزين للمعلومات عن طريق التغذية الراجعة عبر كلٍ من الأعصاب  والدم كما أثبت الدكتور پول پرسال في مؤلفة المعنون "شيفرة القلب"(Paul Pearsall : The Heart Code).
وقد ثبت بالتجربة أن إحدى الأعراض الناتجة عن العمليات الجراحية بالقلب هو فقد شيء من الذاكرة، ولذلك استنتج العلماء أن القلب هو مستودع الذكريات.

 

والخلايا العصبية التي اكتشفت مؤخرًا في القلب تشابه تمامًا نظائرها في المخ، وبذلك أثار أطباء القلب السؤال التالي:
هل للقلب القدرة على التفكير والشعور والعاطفة والانفعال وتخزين المعلومات القريبة والبعيدة في ذاكرة تشبه ذاكرة المخ ؟ وجاءت إجابة أطباء القلب بكل من جامعة پيل الأمريكية ومعهد هارتمان بولاية كاليفورنيا ( Yale University and  Hartman Institute ,California) بأن القلب جهاز فائق التعقيد، وأن من صور هذا التعقيد وجود جهاز عصبي بالقلب يشبه المخ تمامًا، له ذاكرة قصيرة وطويلة الأمد وقد اتضح ذلك بجلاء عند نقل قلب من إنسان إلى إنسان آخر فيأخذ القلب المنقول معه من الذكريات والمواهب، والعواطف والمشاعر، والهوايات، والسجايا والتفصيلات الخاصة بالشخص الذي أخذ منه القلب، والتي تبدو غريبة كل الغرابة عن صفات الشخص الذي تم نقل القلب إليه[(Jack Copeland and others ; Gary Schwartz Yale University)] ; [Rolyn Mc Carthy , Andrew Armour (Hartman Inst.., California)]   .

 

وبذلك ثبت بالملاحظات الدقيقة أن القلب هو أكثر أجزاء الجسم تعقيدًا، وأكثرها دقة وغموضًا، وأنه يتحكم في المخ أكثر من تحكم المخ فيه، ويرسل إليه من المعلومات أضعاف ما يتلقى منه، في علاقة عجيبة بدأت الدراسات الطبية المتقدمة في الكشف عنها، ويشبهها أطباء القلب بجهاز إرسال بين القلب والمخ يعمل بواسطة عدد من الحقول المغناطيسية التي يصدر أقواها من القلب إلى المخ فيسبق القلب المخ في ردات فعله.
كل ذلك يثبت سبق القرآن الكريم بالتأكيد على هذه المعارف التي لم تكتشف إلا في العقدين الحالي والماضي مما يثبت لكل ذي بصيرة أن القرآن الكريم لا يمكن أن يكون صناعة بشرية بل هو كلام الله الخالق الذي أنزله بعلمه على خاتم أنبيائه ورسله، وحفظه بعهده الذي قطعه على ذاته العلية، في نفس لغة وحية ـ اللغة العربية ـ وتعهد بهذا الحفظ تعهدًا مطلقًا حتى يبقى القرآن الكريم شاهدًا على الخلق أجمعين إلى يوم الدين بأنه كلام رب العالمين، ويبقى شاهدا للنبي الخاتم الذي تلقاه بالنبوة وبالرسالة. فالحمد لله على نعمة الإسلام، والحمد لله على نعمة القرآن، والحمد لله على بعثة خير الأنام القائل:
" ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب " (صحيح الإمام البخاري).
فصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلى يوم الدين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.