كتاب " الإيمان بالله جل جلاله" يتحدث عن الخالق العظيم والرازق الكريم، الفعّال لما يريد، الكريم المنان، الواسع العليم، الذي رأيت من خلال مسيرتي في عالم التاريخ عظمته في الحياة، وفي قيام الدول وزوالها، وانتشار الحضارات وإندثارها، وعز الحكومات وإذلالها وقصص الناس ، وفي مخلوقاته العجيبة الغريبة وفي هذا الكون الفسيح وحركة التاريخ. هذا الكتاب إنما كان نتاج هذه المسيرة، بل إحدى ثمارها حيث وجدت أن الذين أمنوا بالله العظيم واتبعوا رسوله الكريم هدى الله قلوبهم بل زادها إيمانا ، لقد عرفوا ربهم وعلموا أن الله هو التواب الرحيم ذو الفضل العظيم، العزيز الحكيم الذي ابتلى إبراهيم بكلمات، وسمع نداء يونس في الظلمات، واستجاب لزكريا فوهبه على الكبر يحيى هادياً مهدياً، وحنّاناً من لدنه وكان تقيًا. الله الذي أزال الكرب عن أيوب وألان الحديد لداوود وسخر الريح لسليمان، وفلق البحر لموسى، ورفع إليه عيسى، ونجّا هوداً وأهلك قومه، ونجّا صالحاً من الظالمين فأصبح قومه في دارهم جاثمين، وجعل النار برداً وسلاماً على إبراهيم، وفداء إسماعيل بذبح عظيم، وجعل عيسى وأمه آية للعالمين. الله الذي أغرق فرعون وقومه ونجّاه ببدنه ليكون لمن خلقه آية، وخسف بقارون وداره الأرض، ونجّا يوسف من غيابت الجب وجعله على خزائن الأرض، ونصر نوحاً على القوم الكافرين ونجّاه وأهله من الكرب العظيم.الله الذي أضحك وأبكى، وأمات وأحيا، وأسعد وأشقى، وأوجد وأبلى، ورفع وخفض، وأعز وأذل، وأعطى ومنع. هدى نوحاً وأضل ابنه، واختار ابراهيم وأبعد أباه، وأنقذ لوطاً وأهلك امرأته، ولعن فرعون وهدى زوجته، واصطفى محمد ومقت عمه وجعل من أنصار دعوته أبناء ألد خصومه، كخالد بن الوليد وعكرمة بن أبي جهل، فسبحانه عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته الله جلّ وعلا الذي جمع في هذا الوجود بين الكمال والجمال وعنصر الجمال في هذا الكون مقصوداً قصداً، جمال مقصود وكمال بلا حدود، فرؤية الجمال على حقيقته لا تكون إلا حينما ينظر القلب بنور الله، فتتكشف له الأشياء عن جوهرها الجميلة وروائعها البديعة، ويتذكر الله كلما وقعت عينه أو حسه على شيء بديع، أو منظر حسن، فيحسن بالصلة ويشعر بالترابط بين المبدع وما أبدع والجميل وما جمّل والمحسن وما أحسن، ويرى من وراء هذا الجمال جمال الله وجلاله وكماله والقرآن الكريم يوقظ القلوب لتتبع مواضع الحسن وآيات الجمال في هذا الكون البديع ﴿ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾ (المؤمنون ، آية : 14)، ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ﴾ (السجدة ، آية : 7)، وقال تعالى: ﴿ أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ﴾ (ق ، آية : 6). وتأمل كلمة" أَفَلَمْ يَنظُرُوا" إنه استفهام استنكاري لأولئك الذين لهم أعين لا يبصرون بها، وقلوب لا يفقهون بها، ولا يرون ذلك الجمال الساحر، والإبداع الأخاذ والحسن الجذّاب الذي يدل على رب العباد، ولذلك يكثر في القرآن الكريم الأمر بالنظر لأخذ العبرة، وللإحساس بالجمال: قال تعالى: ﴿ أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَٰوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ مِن شَيْءٍ﴾ (الأعراف ، آية : 185). وقال تعالى: ﴿ فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (الروم ، آية : 50). وقال تعالى: ﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (العنكبوت ، آية : 20). قال تعالى: ﴿ فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ* أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبًّا* ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا* فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا* وَعِنَبًا وَقَضْبًا* وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا* وَحَدَائِقَ غُلْبًا* وَفَاكِهَةً وَأَبًّا* مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ﴾ (عبس ، آية : 24ـ 32). وقال تعالى: ﴿ قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمٰوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ (يونس ، آية : 101).فأين الأعين الناظرة، والقلوب المبصرة، والأذهان المتوقدة، والفطرة السليمة، والمشاعر الحية، والأحاسيس المرهفة؟ يا الله ما أروع هذا الكون وما أجمل هذا الوجود، إن المتأمل فيه يبهر بجماله، وروعة نظامه وعظمة إحكامه كل شيء فيه جميل ليله ونهاره، صبحه ومساؤه، أرضه وسماؤه، بدره وشمسه، حرّه وبرده، غيمه وصحوه، أخضره وأغبره، جباله وتلاله، سهوله ووديانه، بره وبحره، كل شيء جميل، وكل شيء بديع وكل شيء متقن، وكل شيء متناسق وكل شيء منتظم، وكل شيء بقدر، وكل شيء بإحكام، من الذرة الصغيرة إلى الجرم الكبير، ومن الخلية الساذجة إلى أعقد الأجسام. أنظر إلى الإنسان وروعة خلقه، وتباين أجناسه وتعدد لغاته وإختلاف نغماته، فهو جلّ وعلا قد أحسن كل شيء خلقه ومن أحسن مخلوقاته وأجملها الإنسان﴿ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾(التغابن ، آية : 3) هذا الكتاب هو الأول من سلسلة أركان الإيمان في الإسلام. وهي: 1- الإيمان بالله جلّ جلاله | 4- الإيمان بالرسل | 2- الإيمان بالملائكة | 5- الإيمان باليوم الآخر | 3- الإيمان بالقرآن والكتب السماوية | 6- الإيمان بالقدر |
|